Translate

Senin, 02 Maret 2015

المعروف عرفا كالمشروط شرطا



المعروف عرفا كالمشروط شرطا


هذه قاعدة من القواعد المندرجة تحت قاعدة " العادة محكمة" التي هي من إحدى القواعد الخمس الكبرى، وهي من القواعد الهامة التي لا ينبغي للفقيه الجهل بها، لتعلقها بالعادة التي عاش فيها المجتمع،

وهذه القاعدة ذكرها عدة من العلماء، فقد ذكرها ابن نجيم في الأشباه والنظائر[1]، و أحمد بن محمد الحنفي الحموي في غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، والشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا في شرح القواعد الفقهية، وكثير من العلماء المعاصرين، كالشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ محمد حسن عبد الغفار[2].

ووردت قاعدة أخرى هي نفس المعنى مع هذه القاعدة، وهي " العادة المطردة هل تنزل منزلة الشرط”،[3] وهاتان القاعدتان وإن اختلفت عبارتهما، إلا أنهما نفس المعنى.

ومما ينبغي التحدث عنه قبل أن نتحدث عن الأحكام المتعلقة بها، أن نتحدث عن تعريف هذه القاعدة، فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولذا أنقل أقوال العلماء في شأن هذه القاعدة.

أ‌-      معنى القاعدة

ولهذه القاعدة معنيان، المعنى اللغوي والمعنى اللقبي،

المعروف في اللغة : اسم لكل فعل يعرف حسنه بالعقل أو الشرع، وهو خلاف المنكر[4]

وقال الفيومي[5] : وأمرت بالعرف أي بالمعروف وهو الخير والرفق والإحسان ومنه قولهم من كان آمرا بالمعروف فليأمر بالمعروف أي من أمر بالخير فليأمر برفق وقدر يحتاج إليه واعترف بالشيء أقر به على نفسه.

قلت : فالمعروف في اللغة يدور حول الشيئ الحسن الذي استحسنه الشرع والعقل، والخير والرفق كذالك مما استحسنه الشرع والعقل.

والعرف هو : ما تعارف عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم[6]

والمشروط اسم مفعول من شرط، وهو من شرط له – بفتح العين – ، أي التزمه، وشرط عليه، أي ألزمه[7]، قلت : وإنما اشتق الشرط من هذا الفعل، لأن الشرط يجب على الشخص التزامه، وله أن يلزم غيره إذا اشترطا.

وأما معنى القاعدة، فهو أن العرف السائد بين الناس إذا اتفقوا عليه في شيء ما، فإنه يعتبر في الشرع كالشرط، [8]، وأن ما تعارف عليه الناس في معاملاتهم، وإن لم يذكر صريحا هو قائم مقام الشرط في الالتزامات.[9]

قلت : إن الشارع قد اعتبر العرف امرا مهما في الحكم الشرعي، ولا يرميه هباء منثورا، بل اعتبره جزأ له شأن عظيم في بناء الحكم، وذالك أن الشارع الحكيم ألزم المسلمين على الالتزام بما اشترطوا عليه، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : المسلمون على شروطهم،[10] وإذا كان اعتناء الشارع بالشرط بهذه المهمة، فإن اعتناءه بالعرف يساوي اعتناءه بالشرط، فإن كان الالتزام بالشرط واجبا، فإن الالتزام بالعرف الذي تعارف عليه الناس كالالتزم بالشرط، هذا هو معنى هذه القاعدة.

إلا أن السيوطي ذكر القاعدة التي تساوي معنى هذه القاعدة بصيغة الإستفهام، وأدخلها في ضمن القواعد المختلف فيها، فقال : "العادة المطردة في ناحية هل تنزل عادتهم منزلة الشرط؟"، للدلالة إلى الخلاف القوي في هذه القاعدة، فإنه أتى بصور مختلفة لهذه القاعدة.

ب‌- العرف الذي تجري فيه هذه القاعدة

هذه القاعدة وإن كانت تتحدث عن شأن العرف، إلا أنها لا تطبق في جميع العرف، فقد ذكر السيوطي في الأشباه والنظائر يقول : العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن السابق دون المتأخر.[11]

ومعنى ذالك، أن العرف الذي تنبني عليها الأحكام هو العرف الذي وقع قبل وقوع الحادثة أو مقارنا لها، أما العرف الذي يقع بعد الحادثة، فلا تنبني عليه أحكام تلك الحادثة، مثال ذالك، أن من اشترى سيارة، ولم تجر عادة ولا عرف في ذالك البلد إتباع التوابع كالعجلة الاحتياطية للسيارة، ثم بعد الشراء، تجري عادة أن من اشترى سيارة، له عجلة احتياطية، فليس للمشتري قبل هذا العرف مطالبة البائع بالعجلة الاحتياطية، لأن هذا العرف وقع بعد الشراء، فلا يعتبر في بناء الحكم.

ت‌- ما ثبت به العرف والعادة

متى يسمى العرف عرفا؟ ومتى تسمى العادة عادة؟

تنوعت الأحداث والوقائع في تسميتها عادة إلى :

1-    ما ثبت بمرة[12]، بمعنى أن هذا الشيء يسمى عادة وعرفا بمجرد حدوثه ووقوعه مرة واحدة، مثل سرقة العبد، فإنه إذا سرق مرة يعد عادة له حتى يكون معيبا بهذه السرقة، وكذا الاستحاضة، تثبت عادة بوقوعها مرة واحدة. فإذا حاضت في الشهر الأول عشرة أيام، فإن هذه المرأة، تكون عادتها عشرة أيام، وإن حدثت مرة واحدة.

2-    ما يشترط فيه التكرر، بمعنى أن هذا الشيء لا يسمى عادة ينبني عليها الحكم إلا إذا حدث متكررا، فإذا حدث مرة واحدة فقط، فلا يكون عادة ينبني عليها الحكم. مثال ذالك في مسألة القيافة، فإنه لا يكفي فيها وقوعها مرة واحدة. وكذالك الصيد، فإنه لايكفي فيه تعوده على الصيد بمرة واحدة.

ث‌- أدلة القاعدة

فلما كانت هذه القاعدة مندرجة تحت قاعدة " العادة محكمة"، فإن الأدلة على هذه القاعدة هي نفس الأدلة على قاعدة " العادة محكمة"، وهي كما يلي :

1-    قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ( النساء 115)

قال صاحب القواعد الفقهية نقلا عن صاحب المواهب السنية: ووجه الاستدلال بالآية، أن السبيل معناه الطريق، فيكون سبيل المؤمنين طريقتهم التي استحسنوها، وقد أوعد الله بالعقاب من اتبع غير سبيلهم، فدل على أن اتباع سبيل المؤمنين واجب.[13]

قلت : إن سبيل المؤمنين وطريقتهم التي استحسنوها هي عرفهم وعادتهم، واتباعها واجب بمجرد كونها عرفا وعادة لهم بإقرار الشرع، فما ثبت بالعرف صار كما ثبت بالشرط في الحكم، فإذا تعارفوا على شيء فكأنهم اشترطوا عليه،

2-    قول ابن مسعود رضي الله عنه : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح.[14]

قلت : إما ما تعارف عليه المسلمون لا يتعارفون عليه إلا أنهم رأوا أنه حسن، وأن مارآه المسلمون حسنا لا يتركون العمل به، بل سيستمر عملهم بهذا العمل الحسن، حتى صار هذا العمل الحسن عرفا وعادة لهم، فإذا كان هذا العرف قد أقره الشرع، فمخالفة هذا العرف يعتبر قبيحا كما أن مخالفة الشيء المشروط تعتبر قبيحا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المسلمون على شروطهم،[15]فكان ما ثبت بالعرف كما ثبت بالشرط.

ج‌-   صور هذه القاعدة

يدخل تحت هذه القاعدة صور كثيرة، منها :

1-    إذا تعارف أهل البلد على إتباع السيارة بتوابعها، كالعجلة الاحتياطية، والثوب الخاص لها، ثم اشترى سيارة ولم يذكرها في العقد، فإن المشتري استحق هذه العجلة الاحتياطية، بناء على العرف السائد والعادة المطردة.

2-    من استأجر دارا للسكنى، ولم يذكر الخزانة ولاالثلاجة ولا التلفاز، لكن الناس قد تعارفوا على إجارة الدار مع تلفازها وثلاجتها وخزانتها، دخلت هذه الثلاة في الإجارة، لأنها بمجرد العرف صار كالشرط، لكن ينبغي هنا ملاحظة قيمة إجارة الدار.

3-    أن من اشترى ثوبا مطلقا ولم يشترط الجديد، لكن قد تعارف الناس على أن الثوب إذا أطلق، أرادوا به الجديد، فإنه استحق الجديد، فإنه بمجرد تعارفهم على الجديد، صار كأنهم اشترطوا الجديد منه.

4-    لو دفع شخص لآخر ثوبا ليخيطه، ولم يذكر الأجرة، وقد جرت العادة والعرف على العمل بالأجرة، فإنه استحق الأجرة عملا بالعادة، فإنه بمجرد تعارفهم على هذه العادة، صار كأنهم اشترطوا على الأجرة.

5-    لو ركب شخص سيارة ( TAXI) ولم يذكر هو ولا سائق السيارة الأجرة، وقد جرت العادة والعرف على أن مثل هذه السيارة لا تُركَب إلا بالأجرة، فإن السائق يستحق الأجرة، لأنه بمجرد تعارف الناس على هذه العادة، صار كأنهم اشترطوا على الأجرة.


[1] الشيخ زين العَابدين بن إبراهيم بن نجيم (926-970هـ)،الْأشباه والنظائرعلى مذهب أبي حنيفة النعمان،دار الكتب العلمية،بيروت،لبنان،الطبعة :1400هـ=1980م
[2]الشيخ محمد حسن عبد الغفار،القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، ج 7 ص 1، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.
[3]الشيخ زين العَابدين بن إبراهيم بن نجيم(926-970هـ)، الْأشباه والنظائرعلى مذهب أبي حنيفة النعمان،دار الكتب العلمية،بيروت،لبنان،الطبعة :1400هـ=1980م، وانظر أيضا عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي سنة الولادة 0/ سنة الوفاة 911، الأشباه والنظائر
[4]مجمع اللغة العربية  جمهورية مصر العربية، المعجم الوسيط، ص 617، مكتبة الشروق الدولية 2011
[5]أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى : نحو 770هـ)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مادة " ع ر ف "
[6]مجمع اللغة العربية  جمهورية مصر العربية، المعجم الوسيط، ص616، مكتبة الشروق الدولية 2011
[7]المرجع السابق
[8]الشيخ محمد حسن عبد الغفار،القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، ج 7 ص 1، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.
[9]الدكتور عبد العزيز محمد عزام، القواعد الفقهية، ص 195، دارالحديث القاهرة
[10]سليمان بن الأشعث أبو داود، سنن أبي داود، رقم الحديث 3596
[11]الأشباه والنظائر للسيوطي
[12]الفاداني، أبي الفضل محمد ياسين بن عيسى الفاداني، الفوائد الجنية مع المواهب السنية شرح الشيخ عبد الله بن سليمان الجرهزي على متن الفرائد البهية للعلامة السيد أبي بكر بن أبي القاسم الأهدل، ج 1 ص 270- 271، مكتبة دار المحجة البيضاء.
[13]الدكتور عبد العزيز محمد عزام، القواعد الفقهية، ص 173
[14]الإمام جلال الدين السيوطي،الأشباه والنظائر ص 89
[15]الإمام أبي داود سليما بن الأشعث، سنن أبي داود، رقم الحديث 3596

الأصل بقاء ما كان علي ما كان



الحمد لله الذي مهد قواعد الدين بكتابه المنزل وجعلنا من عباده المؤمنين بأتباع نبيه المرسل الذي اظهر به الحق بعد أن كان خفيا واختاره على كافة خلقه وكان به حفيا.
واشهد أن لا اله آلا الله وحده لا شريك له شهادة تبوى قائلها أعلى المقامات وتحله من دار كرامته أعلى الغرف في الجنات. واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد السادات صلى الله عليه وعلى وآله وصحبه أولى المناقب السنية والكرامات.أما بعد:

الأصل بقاء ما كان علي ما كان
هذه القاعدة المندرجة تحت القاعدة " اليقين لا يزول بالشك " متفرعة عنها و متممة لها.
معنى القاعدة :
الأصل بقاء ما كان على ما كان، أي: إذا ثبت للشيء صفة معينة فالأصل بقاؤها حتى يرد ما يدل على تغيرها.
يعنى بقاء حكم الأصل الثابت في الزمان الماضي فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ و لا يتغير ما لم يوجد دليل يغيره.
مثاله:
-       مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ.
يعنى أن الأصل هو الطهارة، وإذا لم يوجد دليل على حدثه فهو متطهر ولو كان شك فى قلبه. لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.



-      أو من تيقن فِي الْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَهُوَ مُحْدِثٌ.
يعنى أن الأصل هو الحدث، وإذالم يوجد دليل على طهارته فهو محدث. لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.

دليل القاعدة
أن الدليل هذه القاعدة هي الإستصحاب بمعنى استصحاب الماضي إلى الحاضر، أي دليل الذى نقل الحكم الثابت في الماضي إلى الوقت الحاضر حتى يثبت غيره.

فروع القاعدة
1- إذا مس الرجل الخنثى، او لمسه، فلا ينتقض وضوءءه، لأنه كان متطهرا، والأصل بقاء ما كان على ما كان.
2 –إذا  أكل شخص في آخر النهار بلا اجتهاد، وشك في الغروب، بطل صومه، لأن الأصل بقاء النهار، وإذا أكل شخص في آخر الليل، وشك في طلوع الفجر، صح صومه، لأن الأصل بقاء الليل.
3- إذا حكم  بإسلام شخص فلاينتقل منه إلى الكفر إلا ببينة، لأن بقاء الأصل هو الإسلام لا يقال الكفر حتى يوجد دليل على كفره. 
4 – إذا كان شخص اشترى ماء، وادعى نجاسته، ليرده، فالقول قول البائع، لأن الأصل طهارة الماء.
5 - ادعت الرجعية امتداد الطهر، وعدم انقضاء العدة، صدقت، ولها النفقة، لأن الأصل بقاؤها.



الأيمان



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العزة والكرام، أعز من يشاء ويذل من يشاء، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيد ولد آدم يوم القيامة سيدنا ومولانا محمد ابن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين. أما بعد
فإن الإنسان مخلوق بالخصوصيات من بين سائر عباده تعالى، وهو مخلوق مكلف بالعبادة والأمانة لكونه خليفة[1] في الأرض، قد تكون درجته أعلى من الملائكة وقد تكون عكسه. و من تلك تكاليف أنه إذا حلف ثم حنث عنه فعليه الكفارة، ولا يقع ذلك بسائر عباد الله تعالى الأخرى، وهو أيضا حيوان ناطق أي له عقل وذوق وهو قادر على تغيير حال إلى حال، أو تحويل سبب إلى سبب حتى يحكم عليه غير حكم الأول إذ أن القاعدة تقول بــــأن " الحكم يدور مع علته وجودا وعدما"، لذا أنه قد قصد شيئا بما خطر في ذهنه خلافا لما ظهر عنه، وذلك مثل كونه حالفا ظاهرا لا باطنا، ففي مثل هذه الحالة، هل له حكم الظاهر أم له حكم الباطن؟ أو ككون لفظ الحلف مشترك على معان، لما حنث عن حلفه فهل مقدار حثنه تبنى على الألفاظ أو أغراض الحالف أو حسب العرف، إذ أن كان الحلف بمقتضى الألفاظ فنتيجته غير نتيجة الحلف بمقتضى الأغراض، فلكل آثار في الفروع المتولدة منه،
و القاعدة المتخرجة منه هو " هل الأيمان مبنية على الألفاظ أو الأغراض " . فها هو ذا، المبحث الذي سنبحثه في هذه المقالة القصيرة بعون الله تعالى، إنشاء الله

تعريف الأيمان
الأيمان جمع يمين لغة من أصل الكلمة أيمن وهو  القوة والقسم، والبركة، واليد اليمنى، والجهة اليمنى. ويقابلها: اليسار، بمعنى: اليد اليسرى، والجهة اليسرى
أما في الشرع : فقد عرفها صاحب غاية المنتهى من الحنابلة بأنها: توكيد حكم بذكر معظم على وجه مخصوص.[2]

الأدلة على وجوب تأدية الأيمان
·       قوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أوتحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، واحفظوا أيمانكم كذالك  يبين الله لكم آياته لعلكم تتقون"[3]
وأيضا قوله تعالى {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}[4]
·       وأما السنة فكثيرة جدا، منه قول صلى الله عليه وسلم " والله لأغزون قريشا" قال ذلك ثلاث مرات، ثم قال في الثالثة "إن شاء الله "[5] أو قول صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده "[6] أو قوله صلى الله عليه وسلم "لا مقلب القلوب" وغير ذلك الذي يدل على الحلف، فلهذا أجمع المسلون على أن الحلف مشروعة.

مبحث الأصول التي تعتبر في الأيمان
الأصول التي تعتبر في بر الأيمان أو حنثها هي أمور التالية: النية، و العرف و معنى اللفظ الغوي، أو الشرعي، ومنها السبب الباعث على حلف اليمين، وفي كل ذلك تفصيل في المذاهب[7]

القاعدة
هل الأيمان مبنية على الألفاظ أو على الأغراض ؟
اختلف الفقهاء عن قضية هذه القاعدة، إذ أن النتيجة المندرجة تحتها اختلف، وهاهي أقوالهم
·       الأول. ذهب الحنفية[8] إلى أن الأيمان مبنية على الألفاظ. الأصل في الألفاظ التي يأتي بها الحالف أن يراعي فيها معنى المفردات في اللغة، وأن يراعي المعنى التركيبي من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد بالوقت أو بغيره من القيود، ومعاني الحروف التي فيها كالواو والفاء وثم وأو. وإنما يراعى المعنى اللغوي إذا لم يكن كلام الناس بخلافه، فإن كان كلام الناس بخلافه وجب حمل اللفظ على ما تعارفه الناس[9]، فيكون حقيقة عرفية.[10]

مثاله :
إذا غضب أحد على أحد، فحلف بأن لا يأكل رأسا، فأكل رأس الطير أو رأس السمك، فإنه لا يحنث بذلك، لأن الألفاظ تدل على العرف وهي رأس البهائم، لا رأس الطير ولا السمك لأنهما لا يؤكل عادة، و رأس البهائم يؤكل. وكذا لو حلف لا يبيعه بعشرة فباعه بأحد عشر أو بتسعة، لم يحنث، مع أن غرضه الزيادة[11].
دليلهم :
-         أن رجلا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: إن صاحبا لنا مات وأوصى ببدنة، أفتجزي عنه البقرة؟ فقال: " ممن صاحبكم؟ فقال من بني رباح، فقال: " متى اقتنت بنو رباح البقر؟ إنما البقر للأزد، وذهب وهم صاحبكم إلى الإبل، فهذا الأثر أصل أصيل في حمل الكلام المطلق على ما يريده الناس، ولا شك أن إرادة الناس تذهب إلى المعنى العرفي"[12]

·       الثاني. هو الإمام مالك في مذهبه المشهور: المعتبر هنا هو الأيمان التي لا مجال للقاضي القضاء فيه بموجبها[13]، وكذلك النذور: هو النية، أي الحلف مبني على نية الحالف في غير الدعاوى، ففيها تعتبر نية المستحلف، فإن عدمت فقرينة الحال، فإن عدمت فعرف اللفظ، أي ما قصد الناس من عرف أيمانهم، فإن عدم فدلالة اللغة.
وأما الأيمان التي للقاضي مجال فيه على الحكم : مثل في الاستفتاء فإن فيه تراعى هذه الضوابط على هذا الترتيب. وإن كان في مجال القضاء و لم يراع فيها إلا اللفظ ، فيؤيد ما ادعاه من النية قرينة الحال أو العرف.
·       الثالث. قال الشافعية: الأيمان مبنية على الحقيقة اللغوية، أي بحسب صيغة اللفظ؛ لأن الحقيقة أحق بالإرادة والقصد، إلا أن ينوي شيئا فيعمل بنيته. فمن حلف ألا يأكل رؤوسا، فأكل رؤوس حيتان[14] فمن راعى العرف كالحنفية قال: لا يحنث، ومن راعى دلالة اللغة كالشافعية قال: يحنث. وكذلك يحنث عندهم من حلف لا يأكل لحما، فأكل شحما، مراعاة لدلالة اللفظ. وقال غيرهم: لايحنث.
·       الرابع. رأى الحنابلة: أنه يرجع في الأيمان إلى النية، أي نية الحالف، فإن نوى ما يحتمله اللفظ انصرفت يمينه إليه، سواء أكان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ أم مخالفا له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى». فإن لم ينو شيئا رجع إلى سبب اليمين وما هيجها أو أثارها لدلالته على النية. فإن حلف لا يأوي مع امرأته في هذه الدار، فإن كان سبب يمينه غيظا من جهة الدار لضرر لحقه منها أو منة عليه بها، اختصت يمينه بها. وإن كان لغيظ لحقه من المرأة يقضي جفاءها، ولا أثر للدار فيها، تعلق ذلك بإيوائه معها في كل دار[15]   .



الخلاصة و الخاتمة
والخلاصة من هذا الموضوع أن أراءهم تجمع على رأيين، الأول أن الأيمان مبنية على الألفاظ وهو قول الحنفية والشفعية، والثاني أن الأيمان مبنية على النية وهو رأي المالكية ولحنابلة،
فالأول. إن أمكن حمل الأيمان على الألفاظ فحمل على الألفاظ، واللفظ معنيان : المعنى اللغوي والمعنى العرفي، إن خالف المعنى اللغوي عن المعنى ما تعارفه الناس فالمعنى ما تعارفه الناس مقدم على المعنى اللغوي، لأن غرض الحالف جاري على ما تعارفه الناس فيتقد بغرضهم، وهو قول الحنفية،
و كذا الشافعية رأوا إن أمكن حمل الأيمان على الألفاظ فيحمل على ذلك إلّا إذا كان الحالف قاصدا شيئا غير ما ظهر من لفظه، فيحمل على ما قصده
والثاني. أن الأيمان تبنى على نية الحالف، فأيما قصد به الحالف فالحلف على ما قصد، إلا في الدواعي، والمعتبر عند المالكية هو نية المستحلف لا الحالف، وإلا فيرجع إلى حالة الحلف وإلا فيرجع إلى عرف اللفظ وإلا فيرجع إلى ما تعارفه الناس في أيمانهم وإلا فيرجع إلى دلالة اللغة،
وأما الحنابلة تبنى كل الأيمان على نية الحالف مطلقا، في الدواعي أو غيره.
وهكذا رأى العلماء قضية هذا الموضوع، فبانتهاء هذه الكلمة ختم الباحث مبحثه ، فنرجو من الله العفو والعافية، إن سبق في هذا المبحث غلط، فهو من عند الباحث بعلمه القليل، وبسماحة الدكتور رسلي حسبي المراقبة والإرشاد بهذا البحث إن وجدتم عبارة غير مطابق للواقع أرجو منكم الإصلاح والتوجيه. وأخيرا أقول.
والحمد لله رب العالمين
المراجع
1.      القرآن الكريم
2.      سنن أبي داود
3.      الصحيح البخاري
4.      الموسوعة الفقهية الكويتية لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت (الطبعة:من 1404 - 1427 هـ - الكويت)
5.      الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (المتوفى: 1360هـ) { دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الثانية، 1424 هـ - 2003 م }
6.      القواعد الفقهية لدكتور عبد العزيز محمد عزام {دار الحديث- القاهرة، الطبعة 2005 م} الصفحة 91، و انظر الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، ج 1 ص 212
7.      الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي { دار الفكر - سوريَّة - دمشق} الجزء 1 الصفحة 212





[1]  لقوله تعالى " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ { البقرة :30 }
[2] انظر  الموسوعة الفقهية الكويتية لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت (الطبعة:من 1404 - 1427 هـ - الكويت) ج 7 ص 245
[3]  المائدة 89 الأية 5
[4]  النحل الأية 91
[5]  أخرجه أبي داود في كتابه سنن أبي داود عن عكرمة رضي الله عنه مرفوعا رقم 3285
[6]  مثل قوله صلى الله عليه وسلم "  ما أخرجه الإمام البخاري رحمه الله تعالى قال - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لأذودن رجالا عن حوضي، كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض» في صحيحه رقم 2367
[7]  انظر الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (المتوفى: 1360هـ) { دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الثانية، 1424 هـ - 2003 م } ج 2 ص 82
[8]  انظر القواعد الفقهية لدكتور عبد العزيز محمد عزام {دار الحديث- القاهرة، الطبعة 2005 م} الصفحة 91، و انظر الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، ج 1 ص 212
[9]  ولذا كان القول المشهور عن الحنفية، أن الأيمان مبنية على العرف والعادة، لأن غرض الحالف هو المعهود المتعارف عنده، فيتقيد بغرضه. هذا هو الغالب عندهم. انظر الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، الجزء 1 الصفحة 212
[10]  انظر  الموسوعة الفقهية الكويتية لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، ج 7 ص 312
[11]  انظر الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي { دار الفكر - سوريَّة - دمشق} الجزء 1 الصفحة 212
[12]  انظر  المرجع السابق الموسوعة الفقهية الكويتية 7 ص 312
[13]  أي الأمور التي لا مجال للقاضي الدخول فيه، بل تركه بينه وبين الله، وهي أمور بين الحالف نفسه وبين الله وحده، وأما الأمور المتعلقة بالبشر فالقاضي له محل للقضاء عليه.
[14] مفرده " حوت "
[15]  انظر الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي { دار الفكر - سوريَّة - دمشق} الجزء 1 الصفحة 212