تفسير سورة الكهف : 103 – 106
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا
وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ
فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا
لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي
وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
1. التعريف من السورة
سميت سورة
الكهف، لبيان قصة أصحاب الكهف العجيبة الغريبة فيها في الآيات (9-26) مما هو دليل
حاسم ملموس على قدرة الله الباهرة. وهي إحدى سور خمس بدئت ب الْحَمْدُ لِلَّهِ:
وهي الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر. وهو استهلال يوحي بعبودية الإنسان لله
تعالى، وإقراره بنعمه وأفضاله، وتمجيد الله عز وجل، والاعتراف بعظمته وجلاله
وكماله.
2. مناسبات الأيات
بعد أن ذكر
الله تعالى أنه بنفخ الصور يوم القيام، يقوم الناس من قبورهم، ثم يجمعون في صعيد
واحد للحساب والجزاء، ذكر أنه حينئذ يظهر النار للكافرين، وتخصيصه بالكافرين بشارة
للمؤمنين، ويظن الكافرون أن اتخاذهم معبودات من دون الله ينجيهم من عذابه، ولكن
حبطت أعمالهم وبطلت، وصارت عديمة النفع بسبب كفرهم.
والحاصل: أن
الله تعالى يخبر عما يفعله بالكفار يوم القيامة، من عرض جهنم عليهم، أي إبرازها
وإظهارها لهم، ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولهم، ليكون ذلك أبلغ في
تعجيل الهم والحزن لهم، ويخبر تعالى أيضا أنه لا يقام لهم وزن أو قدر، وأن أعمالهم
قد أحبطت وضاعت بسبب كفرهم.
3. تحليليات الأيات
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)
( قُلْ هَلْ
نُنَبّئُكُم بالأخسرين أعمالا ) نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو
لتنوع أعمالهم . نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوع أعمالهم.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(قُلْ) يا محمد لهؤلاء الذين
يبغون عنتك ويجادلونك بالباطل، ويحاورونك بالمسائل من أهل الكتابين: اليهود،
والنصارى( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ) أيها القوم ( بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) يعني
بالذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبتغون به ربحا وفضلا فنالوا به عَطَبا وهلاكا ولم
يدركوا طلبا، كالمشتري سلعة يرجو بها فضلا وربحا، فخاب رجاؤه. وخسر بيعه، ووكس في
الذي رجا فضله.
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بذلك. فقال بعضهم: عُنِي به الرهبان
والقسوس.
ذكر من قال
ذلك:
عن علي في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية قال: "هم
الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري". "ابن المنذر وابن أبي
حاتم"
لابن أبي حاتم من طريق هلال بن يساف عن مصعب هم أصحاب الصوامع وله من طريق أبي
خميصة بفتح المعجمة وبالصاد المهملة واسمه عبيد الله بن قيس قال هم الرهبان الذين
حبسوا أنفسهم في السواري
و قال آخرون: بل هم جميع أهل الكتابين.
ذكر من قال
ذلك:
حدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن
سعد قال : سألت أبي { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا } . هم الحرورية ؟ قال لا هم
اليهود والنصارى أما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه و سلم وأما النصارى كفروا
بالجنة وقالوا لاطعام فيها ولا شراب والحرورية { الذين ينقضون عهد الله من بعد
ميثاقه } . وكان سعد يسميهم الفاسقين
وقال آخرون: بل هم الخوارج.
ذكر من قال
ذلك:
عن على : أنه سئل عن هذه الآية {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} [ الكهف : 103
] قال لا أظن إلا أن الخوارج منهم (عبد الرزاق ، والفريابى ، وابن المنذر ، وابن
أبى حاتم ، وابن مردويه)
والصواب من
القول في ذلك عند الطبري، أن يقال: إن الله عزّ وجلّ عنى بقوله( هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) كلّ عامل عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه
لله بفعله ذلك مطيع مرض، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر
كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الإجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم
واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أيّ دين كانوا. ثم خصص في أية :
الَّذِينَ
ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
(
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول: هم الذين لم يكن
عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك
أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل على كفر منهم به، وهم يحسبون أنهم يحسنون
صنعا : يقول: وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون. { وَهُمْ يَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } بعجبهم واعتقادهم أنهم على الحق.
ما سبب خسارتهم ؟ قوله تعالى :
أُولَئِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) أي إن أولئك الأخسرين أعمالا هم الذين جحدوا
آيات الله في الدنيا، وبراهينه التكوينية والتنزيلية الدالة على توحيده، وكفروا
وكذبوا بالبعث والحساب ولقاء الله وما بعده من أمور الآخرة، فحبطت وبطلت أعمالهم.
و ما ثواب هئلاء الضالين ؟ قال الأستاذ وهبة الزحيلي في تفسيره : أنهم لا ثواب
لهم، وأعمالهم مقابلة بالعذاب، فلا حسنة لهم توزن في موازين القيامة، ومن لا حسنة
له فهو في النار. وقد ثبت معناه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى
الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا
يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا إن شئتم: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
وَزْنا ). و هذا القول في تأويل قوله تعالى :
{
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي
هُزُوًا (106) }
يقول تعالى
ذكره: أولئك ثوابهم جهنم بكفرهم بالله، واتخاذهم آيات كتابه، وحجج رسله سُخْريا،
واستهزائهم برسله.
4. فائدة الأيات
و فائدة دراسة تلك
الأيات كما يلي :
معرفة مصطلح الأخسرين
أعمالا الذي ورد في القرآن الكريم.
معرفة سبب خسارة الكفار
(الأخسرين أعمالا) و جزائهم أو ثوابهم.
تنذير المسلمين عن
العذاب العطيم للكفار، لألا يعملوا مثلهم.
زيادة الإيمان و خشية
الله.
5. الخلاصة
و الخلاصة
من تفسير تلك الأيات الكريمة أنّ الله يخبر الناس عن الأخسرين أعمالا. و هؤلاء الذين عملوا عملا يحسبه فيه مصيبا، وأنه لله بفعله ذلك مطيع
مرض، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهابنة والشمامسة
وأمثالهم من أهل الإجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة،
من أهل أيّ دين كانوا. أولئك الأخسرين أعمالا هم
الذين جحدوا آيات الله في الدنيا، وبراهينه التكوينية والتنزيلية الدالة على
توحيده، وكفروا وكذبوا بالبعث والحساب ولقاء الله وما بعده من أمور الآخرة، فحبطت
وبطلت أعمالهم. وأنهم لا ثواب لهم، وأعمالهم
مقابلة بالعذاب، فلا حسنة لهم توزن في موازين القيامة، ومن لا حسنة له فهو في
النار.
المراجع و المصادر
القرآن الكريم
أنوار التنزيل وأسرار
التأويل، لناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي
(المتوفى: 685هـ)
التفسير المنير في
العقيدة والشريعة والمنهج، د. وهبة بن مصطفى الزحيلي، الطبعة : الثانية ، 1418 هـ،
دار الفكر المعاصر – دمشق
جامع البيان في تأويل
القرآن، لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى:
310 ه)، المحقق: أحمد محمد شاكر، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م، مؤسسة الرسالة
تفسير القرآن العظيم،
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 ه)،
المحقق: سامي بن محمد سلامة، الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999 م، دار طيبة للنشر
والتوزيع
صحيح البخاري، محمد بن
إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، الطبعة: الأولى، 1422هـ، دار طوق النجاة
(مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)
كنز العمال في سنن
الأقوال والأفعال، علاء الدين علي بن حسام الدين ابن قاضي خان القادري الشاذلي
الهندي البرهانفوري ثم المدني فالمكي الشهير بالمتقي الهندي (المتوفى: 975 ه)،
المحقق: بكري حياني - صفوة السقا، الطبعة الخامسة، 1401هـ/1981م، مؤسسة الرسالة
فتح الباري شرح صحيح
البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، 1379، دار المعرفة –
بيروت
جامع الأحاديث (ويشتمل
على جمع الجوامع للسيوطى والجامع الأزهر وكنوز الحقائق للمناوى، والفتح الكبير
للنبهانى)، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
Tidak ada komentar:
Posting Komentar