تاريخ
المنطق
v نشأة وتطوره :
لقد اشتهر بين المفكرين أن أول من وضع المنطق :هو الفيلوسوف اليونانى
المشهور (أرسطو) في القرن الرابع قبل الميلاد, ولكنه لا يصح أن نقيم من هذا الكلام
أن (أرسطو) كان أول من اخترع هذا العلم وابتدعه من عند نفسه وأنشأه, وأنه لم يسبقه
أحد إلى ذلك.
وإنما يجب أن يكون المقصود من هذا الكلام أن أرسطو كان أول من دون هذا
العلم وهذبه, وقعد قواعده, واستحق المنطق بذلك أن يكون علماً من العلوم له موضوعه
الخاص ومسائله المعينة. رأى المناطقة المحدثون أن الاستقراء الرياضى وهو نوع من
أنواع الاستقراء من مسائل علم المنطق.
يرى بعض العلماء أن (قياس أرسطو) قد استفاد كثيراً من مبادىء ونظريات
الفيتاغوريين الرياضية. وقد ظهر قبل أرسطو جماعة من الفلاسفة سموا :
(السونسطانيين) وهم طائفىة من المفكرين الذين وجدوا فى بلاد اليونان قبل عهد
(أرسطو).
ولكنه انحرفوا عن الهدف الأسمى للعلم. قد اعتبروا الفرد مقايس الحقيقة
وأن الإحساس هو المصدر الوحيد للمعرفة, ولاشيء وراء ذلك.ومن هنا كان الحق والخير
والشر والرذيلة أموراً نسبية تختلف باختلاف الأشخاص, واختلاف الظروف.
وإنما كان غرضهم الوحيد هو الشهرة وذيوع الصيت وتحصيل المال الكثير,
والوصول إلى الغنى والجاه والسلطة من أي طريق. ولذلك نراهم يستعملون الألفاظ
المجازية والعبارات المحتملة.
سقراط:
(470-399ق م) لقد كانت هذه التاليم الهدامة التى جاء بها السوفسطانيون ودعوا
الشباب إليها, سبباً فى تعرض كل نظام للسقوط, واختلت موازين الحقيقة, وأصبح مقايس
الخير والشر والفضيلة والرذيلة.
هيأ الله للأثيليين (سقرط) ذلكم الفليسوف ألفد ألذى أطلق عليه بعض
المؤرخين أنه شيخ الفلاسفة. وقد اتبع (سقرط) فى ذلك طريقته المشهورة فى الجدل, وهي
طريقة الحوار والمناقشة, التي لم يكن يقصد منها التلاعب بالألفاظ كما كن يفعل
السوفسطانيون, بل كان يقصد منها التوصل إلى توليد المعانى.
لقد قال (سقراط) : إن الوصول إلى حقائق الأشياء في متناول الإنسان,
وأن ذلك الأمر غير مستحيل, وذلك إنما يكون بطريق العقل الإنسانى, الذي يعمل على
تحديد معانى الألفاظ تحديداً يقينياً, والوسيلة التي يستعين بها العقل في الوصول
إلى ذلك هي (الإستقراء) وهو تتبع أفراد الشيء المراد معرفة حقيقة وملاحظة جميع
صفاتها, ثم مقارنة هذه الصفات بعضها ببعض, وجميع الصفات المشتركة بين هذه الأفراد
وضمها بعضها إلى بعض وإبعاد الصفات الغير مشتركة وتنحيتها, وهذا ما يسمى في البحث
الفلسفى بعملية (التجريد).
وبعض الصفات المشتركة (الصفات الذاتية) بعضها إلى بعض, وإبعاد غير
المشتركة (الصفات العرضية) لصل إلى حد الشيء وحقيقته, وهو المراد بالتعريف أو
الحقيقة أو الماهية.
ومن هنا نرى أن سقراط هو أول من طلب الحقيقة الكلية أو التعريف, وبذلك
يكون سقراط قد بحث وتكلم في موضوعين هامين من موضوعات علم المنطق وهما :
(أ)
موضوع الحدود والتعاريف
(ب)
موضوع الإستقراء
v أفلاطون :
ثم جاء بعد ذلك الفيلسوف الينانى (أفلاطون) تلميذ سقراط, وناصر مذهبه,
فآمن برأي أستاذه, وهاجم السوفسطانيين هجوماً عنيفاً, ورد عليهم ردوداً مفحمة. وقد
استخدم أيضاً في الوصول إلى حقائق الأشياء وتحديدها منهخ الإستقراه الذي أتبعه
أستاذه (سقراط) من قبله, ولكنه توسع في ذلك كثيرا عن سابقه ثم زاد عليه ما سماه
بالقسمة العقلية أو التقسيم المنطقي الذي جعله طريقا لتصنيف الماهيات وتنويعها من
ناحية علاقاتها الخارجية.
v
منطق أرسطو
أن أرسطو لم يخترع المنطق اختراعا, وانما جمعه
فقط ودون مسائله, وجعله علما قائما بنفسه. و ارسطو لم يطلق على كتابه فى المنطق
اسم (لوجيكا) ولكنه أطلق على كتابه اسم (التحليلات) أي تحليلات الفكر إلى عناصره.
وأما من وضع باسم لوجيكا وهو بعض تلاميذه يعنى (الإسكندر الأفرودسى).
وقد قسم أرسطو كتابه (التحليلات) فى المنطق إلى
ستة أقسام وهي : المقولات , والعبارة , والتحليلات الأولى , والتحليلات الثانية ,
والجدل , والأغاليط. وذلك لأنه رأى أن المنطق إنما يبحث فى أعمال الفكر. وأعمال
الفكر ثلاثة : التصور المطلق , والتصديق , والإستدلال وهو الحكم بوسطة أو القياس.
ولذلك انقسم الكتاب أولا إلى مباحث ثلاثة :
1.
المبحث الأول فى التصورات
2.
المبحث الثانى فى التصديقات
3.
المبحث الثالث فى القياس
ولما كان القياس من حيث مادته إما برهانيا يحتوى
على مقدمات بديهية يقلية , أو جدليا مركبا من مقدمات ظنية , أو سوفسطائيا مركبا من
مقدمات كاذبة , ومحتوبا على النتيجة احتواء ظاهريا , لما كانت مواد الأقيسة على
هذا النحو , كتب أرسطو ثلاثة أخرى فى مواد القياس وهي :
4.
التحليلات الثانية : ويبحث فى البرهان ومواده
5.
الجدل : ويبحث فى الجدل ومقدماته
6.
الأغاليط أو السفسطة : ويبحث فى الأقيسة
المغالطية وموادها
وقد عرف العرب كل كتب أرسطو المنطقية , وترجموها
إلى اللغة العربية ضمن الذي ترجموه , ونقلوه إليها , ولكنهم مع ذلك أضافوا إليها
كتابين آخرين من كتب أرسطو الفنيه , وهما كتاب الخطابة (ريطريقا) وكتاب الشعر
(بوبوطيقا) , وبذلك صارت كتب أرسطو المنطقية عند العرب ثمانية , وهي كما وجدت فى
كتاب الفهرست لابن النديم وغير ما يأتى :
1. العبارة
2. التحليلات الأولى
3. التحليلات الثانية
4. الجدل
5. المقولات
6. الأغاليط
7. الخطابة
8. الشعر
1. كتاب المقولات
ومعناه المحمولات . فالمقول على كذا أي المحمول
عليه , وهي المعانى الكلية التى تقع محمولا فى القضية الحملية , والمقولات عشر وهي
الجوهر , والكم , والكيف , والإضافة , والأين , والزمان , والوضع , والملك ,
والفعل , والإنفعال
2. كتاب العبارة
ومعنها الصوت يعنى الصوت الدال, ويذكر أرسطو فى
هذا الكتاب الدلالة وأنواعها, واللفظ المفرد والمركب, والقضية وأنواعها, وتقابل
القضايا بالتناقض أو التضاد أو غير ذلك.
3. التحليلات الأولى
وهذا الكتاب يذكر فيه أرسطو القياس وأشكله وضروبه , ويبين أن الشكل الأول أكمل
الأشكال.
4. التحليلات الثانية
فى هذا الكتاب يتكلم أرسطو عن مادة القياس
البرهانى المؤلف من مقدمات يقينية, وهي المقدمات المركبة من الأوليات والمشاهدات
والتجريبيات والمتواترات.
5. الجدل
فى هذا الكتاب يذكر أرسطو عن مواد الأقيسة
الجدلية وهي المقدمات المشهورة , والمسلمة , كما يذكر فيه الموطن التى تستخدم فيه
هذه الأقيسة.
6. الأغاليط
ويبحث أرسطى فى هذا الكتاب ويوضح معنى الأغاليط
, وأنوعها , وهي الأخطاء التى ترجع إلى إبهام فى اللغة , وغموض فى الحدود أو إلى
عدم مراعاة قواعد المنطق , وهي الأغلاط المادية التى ترجع إلى مادة القياس وقواعد
إنتاجه .
وقد الحق العرب بهذا الكتاب الستة كتابين آخرين
من كتاب أرسطو الفنية , وهما : كتاب الخطابة , وكتاب الشعر , وليس لهما فى المنطق
أهمية تذكر.
v
المنطق بعد أرسطو
وإذا تركنا مدرسة الرواقيين, وما كان لها من اراه في المنطق وعلمنا مع
ذلك أن الفلسفة اليونانية قدانتقلت إلي مدينة الإسكندر (التي بناها الإسكندر
المقدوني في شمال مصرعلى البحر الأبيض المتوسط). وعلمنا كذلك أنه جلب لها علماء
منبلاد اليونان وتكونت في هذه المدنة عدة مدارس فلسفية. ومن اهمها: مدرسة
أفلاطونية, ومدرسة الإسكندرية. وأن هذه المدارس قد عُنيت بدراسة النواحى
الميتافيزيقيا والأخلاقية, ولم تعن في هذه المدارس بالبحث والتجديد في المنطق.
وقد انتقلت التعليم كلها: إلهية, وطبعية, وأخلاقية والمنطقية إلى بلاد
السُّوريان في المدارس الّتى أنشأها هؤلاء في: الرهاء,ونصيبين, وحران واستمر منطق
وغيره من العلوم يدرس في هذه المدارس أن فتحها المسلمون. واختلطوا بسكانها من
اليهود, والمسيحين, والمجوس ارت بينهم وبين المسلمين المناقشات والمجادلات الدينية
وكثرت المنازعات الخصومات, واشتدّ الجدل.
ولما كثر الزنادقة والملحدون في البلاد الإسلامية, وكثر النزاع الخلاف
بينهم وبين المسلمين أنفسهم بحاجة إلى أن يُخدموا المنطق في حجاجهم ومناقشتهم, وأن
يستعينوا به في بيان حجاجهم الخلفية أبو جعفر المنصور بترجمة المنطق ألى اللغة
العربية, وكلف الله المقفع بنقل كتاب المنطق من اللسان السوريائى واللغة اليونانية
واللّغة العربية.
ولم يكن هناك مفر للمسلمين من أن يستعينوا بالمنطق الأرسطو, فإن جدلهم
الدائم وخصومتهم المستمرة قد دفعهم كل ذلك إلى البحث عن كل مفومات الحجة والبرهان,
كما أنّه ليس في منطق أرسطو مما يخالف التعاليم الإسلامية ولا يمس العقيدة الدينية
في شيء, بل إن صوره وأشكله صالحة للدفاع عن الحق والباطل على جد سواء.
لذلك نرى المسلمين قد عنوا عتاية كبيرة بالمنطق, فترجموه إلى لغتهم
فوا غلى دراسته, وفهمه, واستعانوا به في الدفاع عن عقيدتهم, والرد على حصوصهم.
وغير أن المنطق الذى استغل به المسلمون وألفوا فيه المؤلفات الكثيرة
هو المنطق الصورى: (منطق أرسطو) ولم يزيدوا فيه شيئاً, اللهم إلا تلك المقدمة التى
ألفها (فورفر يوس الصورى) والتى سماها بالمدخل إلى المنطق وأطلق عليها العرب اسم (إساغوجى)
وهي فى الكليات الخمسة.
v
المنطق في عصر النهضة والعصر الحديث
أن الغربيين في ذلك الوقت لم يكونوا يعملون من منطق أرسطو إلا القليل
ولم تكن عندهم عناية به. فبدأ الغربيون يتحررون من سيطرة رجال الكنيسة وبدأ أن
ترجمت كتب العرب ومؤلفاتهم إلى اللغة الأوربية وجدث هذه الموقعة حوالى القرن
الثانى عشر الملادى.
فالستفل الأوربيون بالمنطق وعنواية عناية كبيرة وكان له عندهم منزلة
رفيعة. واستغلوا به هو: المنطق أرسطو, المنطق الصورى, لاسيما مباحث القياس (الّذي
أحاطواه بسياج من الألفلظ الفتية والرموز الإصتلاحية).
فقد جاء عصر النهضة (كان نهضة في العلوم), وأخذ كثير من الفلاسفة
يوجهون النقد إلى منطق أرسطو:
·
إنه منطق شكلى لايفيد في تقديم العلوم
·
أنه استدلال عقيم
·
لاينفع في الكشف عن معلومات جديدة
على أن رجال عصر نهضة لم يأخذوا على المنطق الأرسطو اليته فحسب,
وإنّما عابوا عليه كذلك أنه لم يهتم بالملاحظة والتجوبة, وأنه أهمل الإستدلال
والإستقرائى.
وما هو ذا الفيلسوف الإنجليز (فرَنسِيس بَيكون) الّذى وجد في أواخر
القرن السادس عشر المتوفي سنة 1626 يقوم على الدعوة إلى منطق جديد. فالمنطق هو
"منطق الاستقراء ومناهج العلوم, وينقد منطق أرسطو نقدا أمرا." ويقول:
لقد مضى زمن طويل لم يأت العلماء فيه يبحوث جديدة, ولم يتقدم البحث العلمى خطوة
واحدة إلى الأمام. وإنما ذلك كان بسبب الإعتماد على المنطق الثكلىوالمنطق الهورى.
ويكون ذلك بملاحظة ما يجرى في الطبيعة من حوادث وما يوجد فيها من ظواه.
ومن هنا نرى أن " بيكون " قد حمل حملة شعراه على منطق أرسطو
ولاحظ أنه لاسبيل له إلى كشف أفكار جديدة, وأنه لايأتى بجديدٍ, ولا يستطيع إثبات
المبادىء الكلية, بل إنّ فيه مصادرة على المطلوب لأنّ نتيجته مذكورة في المفقدمات.
وذلك سمي كتابه بسم الأورغانون الجاديد معارضا لكتاب أرسطو.
إن سقراط إنسان, وكل إنسان فان. سقراط فان, وذلك بناه على سروط ...
الشّكل الأوّل.
ألسنا تقترض فناء سقراط في الوقت الذى تقول فيه. إنه إنسان؟؟؟
ولما كان " بيكون " الفيلسوف الإنجليزى قد دعا إلى البحث
العلمى, واستخدم في ذلك الملاحظة والتجوبة, و توهم بعض الكاتبين أنه يذهب مذهب
الحسيين في البحث. وذلك لأنه في نظرهم يعتمد على الإحساس فقط ولا يعتمد على العقل.
ولقد جاء الفلاسفة المحدثون, فرادوا على ماإبتدعه " بيكون "
في المنطق. فنرى " ديكارت " (فيلسوف فرنسى) و " ستيوارت ميل "
(فيلسوف إنجليزى) وغيرهما من الفلاسفة العصر الحديث, وهم يَتَوَسعون في مباحث
المنطق, ويشرحون طرقَه ومبادئَه, ويكتب أحدُهم وهو الفيلسوف الإنجليزى (سِتيورات
ميل) كتابا بسمه: طريقة المنطق. يتكلم فيه عن المنهج الاسقرائى, ويبين
أسسَه وقواعدَه والمراحلَ التى يمو بها, ويتكلم على الفرض العلمى, وطريقة إثبات
الفروض وتحقيقِها, وهي الطرُق المسماة وطرُق الإستقراء, ويتكلم على مناهج البحث
الخاصة بكل علم على حدّةٍ.
وقد يقال في هذا الصدد. إن أرسطو قد تكلم في الإستقراء, فما هو الجديد
الذي أتى به " بيكون " أو "ستيوارت ميل " أو غيرهما؟؟؟
والجواب على ذلك: أن أرسطو لم يبحث الإستقراء بالمعنى العلمي الحديث
ولم يتكلّم بمثل ما يجب و تكلّم فيه هؤلاء الفلاسفة, ولم يتوسع فيه توسعهم, كما
أنه لم يبحث كذلك مناهج العلوم بالمعنى الذي قصدوا إليه, وأرادوه منها.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar